الرئيسيةأحدث الصورمركز الرفعالتسجيلدخول

Share
 

 هل يمكن إقامة سلام بين العرب وإسرائيل؟

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
baconecdz
baconecdz


مدير المنتدى : خالد khaled
مدير المنتدى : خالد khaled


الجنس الجنس : ذكر
هوايتي : الرياضة
مسآهمآتے مسآهمآتے : 11443
التقييم التقييم : 368

هل يمكن إقامة سلام بين العرب وإسرائيل؟ Empty
مُساهمةموضوع: هل يمكن إقامة سلام بين العرب وإسرائيل؟   هل يمكن إقامة سلام بين العرب وإسرائيل؟ Emptyالثلاثاء 22 مارس 2011 - 1:00

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

-------------------------
هل يمكن إقامة سلام دائم بين العرب وإسرائيل؟

الدكتور: عمار بن سلطان
أستاذ في العلاقات الدولية
قسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية
كلية العلوم السياسية والإعلام
جامعة الجزائر 3
الإشكالية التي تثار عند إجراء المفاوضات السياسية لتسوية أية نزاع أو صراع بين طرفين أو مجموعة أطراف تكمن في طرح تساؤل رئيسي: هل يمكن للطرفين التوصل إلى تسوية سياسية تنهي الصراع إلى غير رجعة، وتؤدي إلى إقامة سلام حقيقي ودائم بكل ما تتضمن العمليات السلمية من إقامة علاقات طبيعية بينهما؟ أم أن التسوية السلمية هي مجرد عملية سياسية يراد منها تهدئة وتسكين الصراع والحيلولة دون تفجيره، وهو ما يعني استمراريته بوسائل سلمية غير وسيلة الحرب؟
تتوقف الإجابة عن هذا التساؤل حسب طبيعة ونوعية الصراع نفسه، بمعنى هل هو عرضي "غير صفري" أم صراع أساسي وجوهري "صفري"؟ فإذا كان من النوع الأول (أي يجري حول موضوعات ثانوية ظرفية واستثنائية طارئة مثل الخلاف حول رسم الحدود، أو تفسير المعاهدات أو إقامة تحالفات، ...الخ) أي ليست له علاقة بالوجود القومي والحضاري والمؤسساتي للدولة، فإن تسويته تكون ممكنة، وقد لا يتكرر في المستقبل حول الموضوع نفسه، أما إذا كان من النوع الثاني – صفري – فمعنى أنه يتعلق بالوجود القومي للأمة، أي أنه صراع مصيري بالنسبة للطرفين، وله جذور عميقة في نظمها القيمية وفي ذهنية وأفكار القادة ووجدان شعوبهما، وفي سلوك مؤسساتهما، بحيث يترجم هذا الصراع يوميا على أرض الواقع في تصرفات وقرارات وخطب وإيحاءات عدائية مستمرة تزيد بشكل دوري في تغذية الصراع والعداء.
إن التسوية السياسية للصراعات الصفرية ما هي إلا آلية من آليات العمل الديبلوماسي التي يقتصر دورها على تهدئة الصراع وتسكينه وضبط درجة تفاعله ضمن حدود معينة لا تسمح بالصدام المباشر، لأن وظيفة هذه الآلية هي معالجة الأعراض الناجمة عن الصراع، وليس موضوع الصراع، وبالتالي من المتوقع أن يتكرر انفجار الصراع المرة تلو الأخرى متى اختفت الظروف والمصالح المحلية والإقليمية والدولية المؤسسة لآلية العمل الديبلوماسي.


أولا: طبيعة الصراع العربي – الإسرائيلي
يشير مفهوم الصراع إلى الوضع الذي تكون فيه مجموعة معينة من الأفراد ( قبلية – مجموعة عرقية، أو لغوية ثقافية أو اجتماعية اقتصادية، أو سياسية، أو أي شيء آخر ) التي تنخرط في تعارض واع مع مجموعة أخرى لتحقيق مصالحها وأهدافها على حساب المجموعة الأخرى. وبناء على هذا المفهوم، تدرك الأطراف المنخرطة في العمليات الصراعية تلك التهديدات والمخاطر المتبادلة التي تتضمنها إستراتيجية كل منهما على أمنه واستقراره وتطوره واستمرارية وجوده في المستقبل.
وانطلاقا من هذه العملية الإدراكية، يدرك الطرف العربي على مستوى مؤسساته الرسمية الشعبية، أن ما يحمله المشروع الصهيوني من استيطان وتوسع لإقامة إسرائيل كبرى، يتطلب من الناحية العملية انتهاج سياسة القوة والغزو والتغلغل السياسي والاقتصادي والثقافي والقيمي في الجسد الحضاري للنظام الإقليمي العربي، وهو ما يمثل تهديدا مباشرا للكيانية والهوية العربية وللأمن الوطني والقومي في جميع أبعادهما الاستراتيجية والاقتصادية والثقافية.
تؤسس هذه الصورة الإدراكية لدى الطرف العربي من أن الخطر الإسرائيلي لا يتمثل فقط فيما تم من احتلال وعدوان، وإنما في ما يحمله المشروع الصهيوني من خطر وتهديد دائمين على مستقبل العرب ووجودهم كأنظمة وشعوب ومنظومة حضارية، تستنزف قدراتهم في مجهود حربي، وتشغل وجودهم عن عمليات التنمية والتطور والبناء الحضاري في غياب ظروف سياسية وأمنية عادية.
أما الإدراك الإسرائيلي، فينطلق من الشعور كأقلية استيطانية مطوقة بأغلبية عرية تمثل تهديدا دائما ومستمرا لأمنهم ولمستقبل كيانهم السياسي في فلسطين، وهو تهديد حسب اعتقادهم متأصل في الشخصية العربية، ولذلك فإنه " إذا كان العرب لم ينجحوا في تصفية إسرائيل، فإن ذلك ليس بسبب عدم توفر قصدهم، بل لأنهم لم يوفقوا ". وبالتالي فهم يدركون أن متى توفر لدى الطرف العربي إمكانات القوة فإنهم سوف لن يترددوا في إزالة كيانهم الاستيطاني من الخريطة السياسية لفلسطين.
وانطلاقا من هذا الإدراك، ترى النخبة الكيبوتزية الحاكمة في إسرائيل، أن الأسلوب الأمثل للتعامل مع العرب هو القوة وسياسية الردع والعنف ومنعهم من أي تطور كمي أو نوعي، والحيلولة دون تحقيق أية وحدة سياسية أو اقتصادية بينهم، وإن انتهاج مثل هذا الأسلوب، يتطلب في استراتيجيتها تحويل إسرائيل إلى قاعدة عسكرية نووية تستطيع أن تضرب بها أية قوة عربية يمكن أن تشكل خطرا عليها أو تتخذ مواقف سياسية ضد إسرائيل مهما كان بعدها.
يتغذى هذاالإدراك المتبادل لدى طرفي الصراع على مستوى النظم والشعوب، من منظومتهما القيمية ومن الخبرة السياسية التاريخية في التعامل بينهما، وهذه التغذية الدائمة والمستمرة هي التي تؤسس الصور والمدارك في ذهنية وعقلية كل شعب عن الشعب الآخر، وهي التي تحدد طرق ومناهج التعامل بينهما، أي أنه يمكن إسقاط النظرية التلقينية learning على الصراع العربي – الإسرائيلي، والتي ترجع أسبابه إلى التصورات القومية القائمة على مجموعة من المعتقدات تؤدي إلى الإحتفاظ بفكرة نمطية ثابتة عن الأمم والشعوب الأخرى، وهي صورة تتكامل أبعادها عن عقل المستقبل من خلال الإرسال الذي يأتي من نظام التعليم، والأخبار والقنوات الاجتماعية الأخرى، فتكون نمطا حول موضوع معين في داخل نظام المعرفة الفردية والجماعية، وبالتالي فالسلوكات الصراعية بين الجماعات هي انعكاس لما هو موجود في عقول الأفراد.
تتجلى هذه الصورة لدى الإسرائيليين في عقيدتهم الدينية – في التلمود والتوراة – التي تبيح لهم استعمال القوة من أجل وضع أيديهم على الأرض التي أعطاها الإله إليهم كميراث، ولا يمكن التنازل عليها، كما يؤكد ذلك رئيس الحاخامات السفاردية: " أن التوراة تمنع بتاتا كافة اليهود بما فيها الحكومة الإسرائيلية من التنازل عن شبر واحد من أرض إسرائيل " الأرض المحددة جغرافيا في النص التوراتي: " لَنَسلك أعطي هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات ".
وبناءً على ذلك فإن الصهيونية بشقيها الأصولي الديني أو السياسي البراغماتي، تربي الأجيال اليهودية على الكراهية وتؤصل فيهم النزعة العدائية للعرب والمسلمين وتظهر هذه النزعة غير الإنسانية على سبيل المثال في نص رسالة الجندي – موشي – إلى الحاخام – شيمون ويزر – التي جاء فيها: " خلال الحرب، ليس مصرح لي فحسب، بل مأمور بأن أقتل أي عربي أصادفه، رجلا كان أو امرأة إذا كان هناك سبب للخوف من أن يساعدوا في الحرب ضدنا..." .
أما لدى الطرف العربي، فإن القرآن يعتبر اليهود أكثر الناس عداوة للمسلمين ( لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ) سورة المائدة الآية 82. وهم أهل نفاق وشقاق يتوجب الحيطة والحذر في التعامل معهم.
إن هذا الإدراك المتبادل للمخاطر المستمرة في الماضي والحاضر والمستقبل لدى طرفي الصراع عن ما يحمله كل منهما من تهديدات لمصير مستقبل الطرف الآخر، يجعل الصراع بينهما صراعا مصيريا ممتدا ومفتوحا وشاملا بكل مكوناته وأبعاده التفاعلية العسكرية والسياسية والاقتصادية والحضارية.
إن صراعا متأصلا في البنى السياسية والثقافية والمؤسساتية الرسمية والشعبية لدى الأطراف المنخرطة فيه، هو صراع يصنف ضمن الصراعات المصيرية، أي أساسي وجوهري، وذو طبيعة صفرية، بحيث سينتهي في آخر استراتيجية تدمير خصمه واستئصاله من الوجود أو احتواء حركته، عندما يشعر أن توازن القوة قد أصبح في جانبه بشكل لا يسمح لخصمه من استدراك فارق الهوة في ظرف زمني قصير يمكنه من إعادة التوازن إلى وضعه السابق.
إن التوازن في القوة، هو المبدأ الذي يتحكم في سلوك الفاعلين ويدفعهما بشكل واع إلى انتهاج سلوك الفاعل العقلاني لإدارة الصراع في حالته السكونية " اللاحرب واللاسلم " بهدف تحقيق أكبر قدر ممكن من الربح " الانتصار " بطريقة سلمية وبأقل تكلفة ممكنة على حساب خصمه، وفي هذا السياق، تصبح العمليات السلمية التفاوضية لتسوية بعض القضايا العارضة أو الناجمة عن الصراع الأصلي، مجرد آلية سياسة لتكريس واقع سياسي جديد هدفه تجميد الصراع والتخفيف من درجته الصدامية، مع استمرار الصراع نفسه على نفس الصراع، ولكن بطريقة سلمية، تكون فيها الأداة الديبلوماسية والاقتصادية والثقافية بدائل مؤقتة عن الأداة العسكرية، أي تحويل اتجاه الصراع من نهايته المُرة إلى إمكانية البقاء المشترك المؤقت. وهو تحول لا يعني بالضرورة تغير في استراتيجية الطرفين المتصارعين، بقدر ما هي عملية سياسية يُراد منها ربح الوقت من جهة، والتكيف مع الاتجاهات السياسية الجديدة التي يطرحها مشروع النظام الدولي الجديد تحت غطاء الشرعية الدولية من جهة أخرى

ثانيا: السلام المستحيل والصراع المؤجل
إذا كانت المؤسسات الرسمية – الحكومات – لطرفي الصراع قد اتفقت دبلوماسيا على البقاء المشترك الذي تظهر في العمليات التفاوضية والمساومات السياسية المترجمة في مبدأ " الأرض مقابل السلام "، فإن هذا المبدأ لا يعبر عن تغير جوهري وحقيقي في النوايا والأهداف الاستراتيجية لكلا الطرفين، ولا يعني أن العرب قد تنازلوا عن أرض فلسطينية لصالح الصهيونية، ولا الصهيونية قد تخلت عن أهدافها لتي أنشئت من أجلها إسرائيل في الوطن العربي وضد الأمة العربية.
ولذلك، فإن انتهاج الطرفين الأسلوب الديبلوماسي لا يعني بالضرورة إمكانية التوصل إلى حل نهائي للصراع أو التخلي عن الأداة العسكرية لإدارة الصراع، وإنما هي سياسة يُراد منها تأجيل حسم الصراع إلى المستقبل، لأن كل طرف منهما يدرك أن مكاناته الحالية والظروف الدولية المساعدة والمساندة أو تلك المعارضة ليست في صالحه، ولا تسمح له ممارسة لعبة ذات حصيلة صفرية، ولذلك فهو مطالب بالتريث والتأجيل ومنح نفسه الفرصة لإعادة بناء ذاته بشكل تمنحه القوة والقدرة على إلحاق الهزيمة المُرة بخصمه، ويتجلى هذا الإدراك في تصورات قادة ونخب طرفي الصراع.
ينطلق إدراك القادة العرب عامة، وبالخصوص قادة دول الطوق، من أن عمليات التفاوض السلمية الجارية مع إسرائيل ليست تنازلا، ولا استسلاما وإنما هو سلوك ناجم عن عدم قدرة الحكومات العربية ومؤسساتها الرسمية في المنظور الحالي والقريب على مواجهة إسرائيل من جهة، ومن جهة أخرى، فهو تكيف سياسي تفرضه ضغوطات ومطالب القوى المهيمنة في النظام الدولي، وهي قوى مدعمة ومساندة فإسرائيل وملتزمة ببقائها وتفوقها على العرب، وبالتالي، يرى هؤلاء القادة، أن إمكانات الدول العربية وهي في حالة مجزأة لا تسمح بخوض معركة مصيرية ضد إسرائيل ومن ورائها الصهيونية والإمبريالية الأمريكية، بل ويرون أن " المغامرة " في هذا الاتجاه سيمنح إسرائيل ومعها أمريكا الفرصة لتدمير قدرات الأمة وتحقيق أهدافهما المشتركة في الوطن العربي.
وبناء على ذلك، فإن السلوك السلمي للقادة العرب تجاه إسرائيل لا يعبر من الناحية المبدئية عن موقف وخيار وتغير استراتيجي، بل هو سلوك وقائي الهدف منه تجنب هزيمة عربية أخرى، وهو أيضا يمثل وقفة تعبوية تسمح بجمع وحماية مصادر القوة العربية وتقويتها، وكذلك إمكانية الحصول على بعض المكاسب الجزئية بطريقة سلمية يمكن أن تحقق بتراكماتها محو آثار عدوان 1967.
أما الطرف الإسرائيلي، فإن سلوكه هو أيضا لا ينطلق من خيار استراتيجي لإقامة سلام دائم مع العرب بقدر ما هو سلوك مراوغ ومخادع الهدف منه ربح الوقت لبناء القوة والتأثير في السلوك السياسي للحكومات العربية، لأن مفهوم السلام في إداك النخة القيادية الإسرائيلية، يتناقض مع الأهداف البعيدة للحركة الصهيونية، والمتمثلة في إقامة " إسرائيل كبرى " القائمة على التوسع الإقليمي وفقا لحركة الهجرة اليهودية، حيث تدفع الهجرة نحو التوسع، ويدفع التوسع بدوره إلى المزيد من الهجرة، وهو ما يؤدي إلى اتساع رقعتها الإقليمية بشكل يتماثل مع المفهوم التوراتي من النيل إلى الفرات، وبناء على ذلك، فإن متطلبات الأمن والسلام تتناقض مع أهداف الإيديولوجية الصهيونية ومع سياسة إسرائيل التوسعية.
ومن هذا المنظور، يرى بن غوريون " أن السلام هو مجرد وسيلة، الهدف منه تحقيق حلم إسرائيل الكبرى " ويدعو الشعب اليهودي أن لا يساهم في أي اتفاق لا يخدم هذا الهدف، أما عند ناحوم غولدمان، فإن السلام الذي تنشده إسرائيل مع العرب هو الذي يمكنها من ممارسة وظيفتها الحضارية في الشرق الأوسط، أي فرض السلم الإسرائيلي – الصهيوني على الأمة العربية. ولذلك، فإن سياسة المفاوضات التي تنتهجها منذ اتفاقية كامب ديفيد 1978 إلى الآن، لا تهدف من ورائها إلى إقامة سلام دائم مع العرب، بل الغرض منها ربح الوقت لتوفير الشروط المادية والبشرية لامتلاك القوة في الظروف " سلمية " عادية، تمكنها من التفوق والانتصار عندما يعود الصراع مجددا إلى وضعه ومساره الطبيعي، أي إلى حالته الصفرية.
إن تحول تفاعلات الصراع العربي – الإسرائيلي من " اللعبة " ذات حصيلة صفرية إلى لعبة ذات حصيلة إيجابية " غير صفرية " هو تحول يعكس إدراكا استراتيجيا في تصورات النخبة القيادية في إسرائيل بحيث باتوا مقتنعين أن حروبهم التوسعية المتكررة لم تعد تحقق لهم مكاسب استراتيجية، بقدر ما ترهق وتستنزف طاقتهم وتؤثر على استقرارهم وتماسكهم الاجتماعي والسياسي، في الوقت الذي تريد من تأجيج المشاعر العدائية ضدهم، ولذلك يرى الكاتب أهارون كوهين " أن الحرب المتكررة والدائمة، سوف تعجل بزوال إسرائيل حتى في حالة انتصارها " كما يرى يعقوب تلمون " أن الحروب الاستنزافية سوف تؤدي إلى سقوط الصهيونية "، لأن حسب رأيه تؤثر عل أمنهم واستقرارهم الاقتصادي والسياسي والديمغرافي، وهي الدولة الوحيدة التي يبلغ إنفاقها العسكري أكثر من 43% من إجمالي ناتجها القومي، وهو ما يمثل عبئا كبيرا على اقتصاد لا يتمتع بموارد طبيعية ويعيش على المساعدات والهبات الأمريكية، بل أن نفقاتها العسكرية تتجاوز النسب في الدول الأكثر ثراءً في العالم والتي لها استراتيجيات كونية وإقليمية مثل أمريكا وبريطانيا وفرنسا والصين.
ولذلك، فإن حصيلة " اللعبة " غير الصفرية – حالة اللاحرب – مع العرب، تعني في إدراك القادة الإسرائيليين، تحويل جزء كبير من إنفاقهم العسكري إلى التنمية الاقتصادية والصناعات التكنولوجية وإنتاج الأسلحة الاستراتيجية وتهيئة نفسها للصراع الاستراتيجي المؤجل مع العرب، أي أن إسرائيل لا تسعى لإقامة سلام دائم مع العرب، بقدر ما تحاول إقامة هدنة سلمية مؤقتة، تمكنها من كسب الوقت، وبناء نفسها إلى المستوى الذي يخل بالتوازن الإقليمي ويسمح لها بتحقيق نصر استراتيجي ساحق في أقصر فترة زمنية ممكنة على الجيوش النظامية العربية، كما تمنحها هذه الهدنة المؤقتة، الفرصة للتغلغل والاندساس في الجسد السياسي للنظام الإقليمي العربي، - مشروع الشرق الأوسطية – لتسميم ثقافته ومحاولة استئصال عوامل القوة والمناعة من منظومته القيمية والسلوكية، وتفكيك تجانسه الاجتماعي والقومي بزرع وإثارة النعرات العرقية والطائفية، وإلهائه في المشاكل الداخلية المفتعلة ترهن إمكاناته وقدراته في نزاعات هامشية تجعل من النظام القومي العربي في حالة وهن وعجز تهيئه بشكل آلي لتكيف إذعاني مع متطلبات السلم الصهيوني، أي أن السلام في الإدراك الإسرائيلي، هو جزء من استراتيجية إدارة الصراع مع العرب بشكل عقلاني، وليس الهف منه التعايش المشترك في جو من الوفاق والسلام، لأن التاريخ اليهودي، هو تاريخ الانعزال والعزلة والتسلل إلى المجتمعات وراء الغيتوات للسيطرة والهيمنة وليس للدمج والذوبان والعيش المشترك مع الشعو الأخرى.
بناءً على المدارك والمنطلقات الفكرية والعقائدية والسياسية المتباينة لدى طرفي الصراع بشأن الاستفادة من العمليات التفاوضية الجارية بينهما، وبناء على المصادر المغذية لسياستهما وسلوكهما من قيم ومعتقدات روحية وثقفية، كل ذلك تجعل من إمكانية إقامة السلام بين الطرفين أمرا مستحيلا في المنظور الاستراتيجي البعيد، وهذه الاستحالة تجعل الصراع مفتوحا على كل الأدوات الممكنة، العسكرية والاقتصادية والثقافية، رغم الاتفاق المشترك على تسكينه وتهدئة درجة تفاعلاته الصدامية مع استمرارية الصراع في شكل دورات حلزونية، تعكس كل دورة من دوراته الزمنية تلك الظروف والامكانات المادية والمعنوية التي سوف تكون تحت تصرف أطرافه من جهة، والقوى الدولية الرئيسية التي تتحكم في أنماط التفاعلات السياسية والاقتصادية والعسكرية على المستويين الدولي والإقليمي من جهة أخرى.
وبناءً على ما سبق، فإن ما يتم التوصل إليه من اتفاقيات أو معاهدات بين العرب وإسرائيل بشأن " البقاء والعيش المشترك " فإنها سوف لن تمثل حلا نهائيا للصراع، بقدر ما هي أداة لتقنين وضبط آليات الصراع، والتحكم فقط في درجة وكثافة التفاعلات بين أطرافه وهي معاهدات محافظة على وضع وترتيب أمني قائم سوف لن تكون ملزمة بالضرورة لأجيال ومؤسسات المستقبل في ظل صراع مصيري ممتد ومفتوح على كل السيناريوهات الممكنة.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
baconecdz
baconecdz


مدير المنتدى : خالد khaled
مدير المنتدى : خالد khaled


الجنس الجنس : ذكر
هوايتي : الرياضة
مسآهمآتے مسآهمآتے : 11443
التقييم التقييم : 368

هل يمكن إقامة سلام بين العرب وإسرائيل؟ Empty
مُساهمةموضوع: رد: هل يمكن إقامة سلام بين العرب وإسرائيل؟   هل يمكن إقامة سلام بين العرب وإسرائيل؟ Emptyالثلاثاء 22 مارس 2011 - 1:01



ثالثا: سيناريوهات المعركة المصيرية
إذا كان السلام أمرا مستحيلا في المنظور الاستراتيجي بين العرب وإسرائيل نتيجة الطبيعة الصفرية الصراع، فإن الرؤية الاستشرافية لتلك النتائج التي سيؤول إليها الصراع يمكن أن تتحدد في ثلاث سيناريوهات.
1- سيناريو النهاية المرة: ويصور أن أحد الأطراف قد بلغ درجة القدرة على اتخاذ قرارات مؤثرة على الوجود السياسي للطرف الآخر، ولنفترض أن العرب قد توصلوا إلى هذا المستوى من القوة، فهل هذا يعني إزالة الكيان الاستيطاني من الخريطة السياسية لجغرافية الوطن العربي؟
إن هذا السيناريو، يجعل من العرب كأمة حضارية في مواجهة مفتوحة ومباشرة مع الغرب عامة والقوى السياسية التي أوجدت إسرائيل بهدف خدمة مصالحها الاستراتيجية في المنطقة، فإن التحالف الاستراتيجي الإمبريالي – الصهيوني سوف لن يسمح بانقراض وإزالة هذا الكيان الاستيطاني المغروس في الجسد السياسي للنظام الإقليمي العربي.
إن القوى الدولية التي خلقت وحمت إسرائيل، هي نفسها التي أدخلتها إلى المجتمع الدولي وفرضت عليه الاعتراف بها، أي أن الشرعية الدولية نفسها أصبحت شريك في حماية المشروع السياسي للصهيونية على حسب مبادئها في حفظ السلم والأمن، وضد مبادئ العدل والقانون وحق الشعوب في تقرير مصيرها. إن كل ما تستطيع إنجازه القوى العربية هو إرغام إسرائيل على الالتزام بتنفيذ قرارات الشرعية الدولة الصادرة في حق الشعب الفلسطيني من جهة، وتحجيم دورها المشاغب في النظام الإقليمي العربي من جهة أخرى.
أما إذا حدث عكس الفرضية السابقة، أي أن إسرائيل سوف تبلغ في المستقبل درجة عالية من التطور في صناعة تكنولوجية أسلحة التدمير الشامل بشكل يخل بمبدأ التوازن الإقليمي، فهل هذا يعني توظيف هذه التكنولوجية لاستئصال الوجود القومي العربي؟
الإجابة عن هذا التساؤل تقتضي الاسترشاد بمجموعة حقائق أهمها:
أ‌- أنه لم يحدث في تاريخ النزاعات البشرية أن شعبا صغيرا بحجم اليهود، قد تمكن من إفناء أمة أكبر منه بحجم الأمة العرية، مهما أوتي من قوة، لأن الكم البشري يعتبره بدوره أيضا من العوامل الثابتة في قوة الدول والأمم.
ب‌- إن استئصال إسرائيل لأسلحة نووية قد تؤدي إلى هزيمة محدودة وليس إلى هزيمة شاملة، لأن تأثيرها سوف يكون محدودا نتيجة لاتساع العمق الجغرافي والتوزيع السكاني عليه، أي أن العرب بإمكانياتهم المادية والبشرية والمعنوية يستطيعون امتصاص الضربة الأولى والثانية، والقدرة على التكييف مع نتائجها، بينما لا تستطيع إسرائيل التكيف مع التأثير التي تحدثه حرب حتى ولو كانت بأسلحة تقليدية، لذلك تحاول إسرائيل أن تتجنب مثل هذا الخيار لأنه حسب مقولة ماو تسي تونغ: " سيبقى مائة عربي، ولكن ستفنى إسرائيل "، أي أن الصراع المؤجل كما يتوقع – يوهان غالتونغ – يعمل لمصلحة العرب، لأنهم سيصبحون أقوياء.
ت‌- إن كل ما تستطيع إسرائيل فعله، هو توظيف العامل النووي لردع الحكومات العربية والحيلولة دون التفكير في أي عمل عسكري ضدها، وفرض شروطها بما يتوافق والمفهوم الإسرائيلي للحدود الآمنة.
2- سيناريو الاحتواء: يفترض هذا السيناريو أن أحد طرفي الصراع قد بلغ مستوى معينا من القوة الشاملة على حساب الطرف الآخر فهل يستطيع أن يحتوي خصمه، ويكيف حركته السياسية والاقتصادية والثقافية، وفقا لمتطلبات وجوده السياسي والأمني؟
مما لا شك فيه، أن التفوق واختلال التوازن لصالح طرف على حساب الآخر، سوف يؤدي إلى تغيير أسس الوضع القائم، ويدفع بالطرفين إلى ابتداع خيارات سياسية واستراتيجية جديدة تتناسب مع معطيات ومكونات الوضع السياسي الجديد للمتنافسين.
إن فرضية التفوق – الكمي والنوعي – تعزز الثقة في سلامة وأمن الوجود القومي، وفي عقلنة سياسته وسلوكه، مما تسمح له برسم سياسات جديدة وانتهاج سلوكات ابتزازية لفرض شروط تستهدف التأثير في تغيير سياسة وسلوك الخصم واحتواء حركته السياسية وتكييفها لأهدافه واستراتيجيته.
إذا كانت الهزائم المتتالية لأنظمة العسكريتارية العربية ( 1948- 1956- 1967- 1973- 1982 ) تؤشر عن تفوق إسرائيل النوعي والذي يترجم عمليا في احتواء المواقف الرسمية لبعض الحكومات العربية وإرغامها على تغيير موقفها الرافض للوجود الاستيطاني الصهيوني على الأرض الفلسطينية، والاعتراف ب" شرعية وجوده " والتفاوض معه بشأن إقامة علاقات طبيعية، فإن هذه الهزائم وهذا الاحتواء لم يمتد إلى المؤسسات الشعبية العربية وإلى الوجود الحضاري للأمة العربية بكل مكوناتها البشرية والثقافية والروحية ونظمها القيمية، لا يمكن لكيان إستيطاني بحجم سكانه الحالي أو المستقبلي ( 10 مليون يهودي ) أن يحتوي أمة من المتوقع أن يبلغ سكانها 270 مليون نسمة مع سنة 2010.
إن ما تستطيع أن تفعله إسرائيل هو تأجيل هذا المشروع القومي، وهو فعل يمكن تنفيذه كما يتصوره – اللواء – شلوماغاريت من خلال: " حراسة أمينة لاستقرار الدول العربية المحيطة، والمحافظة على أنظمة الحكم القائمة، وكبح مسار التحول نحو الديمقراطية والراديكالية، وعرقلة توسع الأصولية الدينية المتعصبة ".
أما فرضية الاحتواء العربي للوجود الإسرائيلي، فإنها تعني من الناحية العملية احتواء وإلغاء الوظيفة السياسية والعسكرية التي خلقت من أجلها إسرائيل، وهو ما يضع الأمة العربية في مواجهة مباشرة مع التحالف البروتستانتي الأمريكي – الصهيوني وإتباعهما في العالم، وهذه الفرضية بدورها ترشح استمرارية الصراع في اتجاه الشمولية والعالمية بين الصليبية الإمبريالية وربيبتها الصهيونية من جهة، والعرب والمسلمين والمظلومين في العالم من جهة أخرى.
3- سيناريو تعايش الأنظمة وصراع الشعوب: يتصور هذا السيناريو المشهد السياسي لتفاعل العلاقات العربية – الإسرائيلية في ظل التحولات الجارية في العلاقات الدولية وفي مؤسسات النظام الدولي من نظام ثنائي القطبية إلى فرضية " الأحادية القطبية " أي " الشرطي العالمي " التي ظهرت عقب الحرب الصليبية على العراق عام 1991 وتفكك المنظومة الاشتراكية بقيادة الاتحاد السوفياتي.
يصور منظرو وحكام عرب أمريكا أن الولايات المتحدة الأمريكية، أضحت القوة الوحيدة – هيمنة وقيادة – في العالم، وعلى الحكام العرب أن يستوعبوا هذه " الحقيقة " وأن يكيفوا سياستهم مع هذه " القيادة " الجديدة استراتيجيا وعسكريا وسياسيا واقتصاديا وثقافيا، والانضواء تحت سيادتها لتفادي " الانقراض " على أيدي ربيبتها الصهيونية، بل واستجدائها للقبول بدور " الشريك الكامل " لإجراء مصالحة تاريخية مع الصهيونية، والانخراط سويا في بناء " شرق أوسطي " تحت المظلة الأمريكية في مقابل تعهد أمريكي بحماية الملوك والرؤساء العرب من تمرد وثورة الشعوب عليهم.
ونتيجة لهذا التنظير على فرضية خاطئة، جاءت مشاركة الأنظمة العربية في مؤتمر مدريد " السلام " في 30/10/1991 الذي يعتبر مؤتمر تدرجين الأنظمة ومحطة جديدة في التاريخ السياسي للصراع العربي – الإسرائيلي، حيث أفضحت الأنظمة العربية، القطرية عن هويتها، السياسية، وانخراطها في المنظومة الأمريكية، والسير في مشروع السلام الأمريكي – العبري وقطع علاقاتها المبدئية بالقضية الفلسطينية التي أصبحت فيما بعد من اختصاصات قيادة " السلطة الوطنية " الفلسطينية بعد اتفاقية أوسلو.
لقد ترجمت هذه الصفقة غير المعلنة في التداعيات السياسية التالية:
أ‌- في 15/12/1991 وبرئاسة مصرية – سعودية ( كان بطرس بطرس غالي من جمهورية مصر العربية أمينا عاما للأمم المتحدة، وعمر لشهاب من المملكة العربية السعودية رئيسا الجمعية العمومية في دورتها 1991-1992 )، تم إلغاء القرار الأممي رقم 3379 الصادر بتاريخ 10/11/1975 والذي يعتبر الصهيونية شكلا من أشكال العنصرية.
ب‌- في مؤتمر موسكو 1992 تم الاعتراف العالمي بإسرائيل ومنحها شرعية البقاء والسيادة على أرض فلسطين وتحويل الصراع العربي – الصهيوني إلى قضية هامشية تجري معالجته في إطار القضايا الكبرى لمنطقة الشرق الأوسط والأدنى.
ت‌- توقيع معاهدة السلام الإسرائيلي – الأردنية بوادي عرية بتاريخ 26/10/1994 وبحضور الرئيس الأمريكي بيل كلينتون والملك حسين، تبعها إقامة علاقات مباشرة بين إسرائيل وبعض البلدان العربية من مستوى قنصلية وملحقيات تجارية ومكاتب علاقات في كل من المغرب، تونس، قطر، عمان.
ث‌- عقد المؤتمرات الاقتصادية للشرق الأوسط وشمال إفريقيا بشكل دوري بدءً من مؤتمر الدار البيضاء 30/10/1994، وعمان 29-31/10/1995 ثم القاهرة 13-14/11/1996 وأخيرا الدوحة، والهدف من هذه المؤتمرات رفع المقاطعة العربية عن إسرائيل وبناء السلام الأمريكي – العبري في الشرق الأوسط، والتغلغل الاقتصادي الإسرائيلي في الاقتصاد العري أبي بلغة الملك الحسن الثاني " تزاوج العبقرية اليهودية مع المال العربي ".
ج‌- عقد قمة " صانعي السلام " الأمريكي – العبري بشرم الشيخ لمحاربة " الإرهاب " في 13/03/1996 وهي القمة التي ساوت بين العمل الإرهابي والعمل الفدائي الفلسطيني، والتي قيمها شمعون بيريز قائلا: " لا أتذكر مناسبة كهذه اجتمع فيه هذا العدد من الدول العربية ( 13 دولة ) لتعلن أمام العام دعمها لإسرائيل والسلام معها ".
إذا كانت الأنظمة القطرية العربية، قد اهتدت إلى خيار المصالحة والتعايش السلمي مع الكيان الصهيوني كمساومة سياسية لحماية واستمرار بقائها في السلطة، فإن مصالحة الأنظمة مع بعضها لا يعني المصالحة بين الشعوب والأمم، وأن تخاذل الأنظمة مع بعضها لا يعني المصالحة بين الشعوب والأمم، وأن تخاذل الأنظمة ليس خيانة الشعوب لأوطانها وتاريخها وحضارتها، وأن سير لحكام العرب في المدار الأمريكي – الصهيوني ليس هو نفس الطريق والمنهج الذي تختاره وتسلكه شعو الأمة لعربية.
ولذلك يدرك قادة الصهيونية السياسية، أن موقف الرأي العام العربي، هو الموقف الثابت والمستقل الذي يفصح عن الرؤية الحضارية والإنسانية للأمة العربية، وعن كيفية تعاملها مع شعوب وأمم الأديان الأخرى، بينما تمثل سياسة حكوماته موقف النخب الحاكمة، وهي مواقف متغيرة وغير ثابتة، ولا يمكن الرهان عليها لإقامة سلام دائم مع العرب، وأن القوى الشعبية التي همشها الاستبداد والقمع والإقصاء السياسي، هي القوة التي تَعدُ بإسقاط سلاطين ورؤساء القراقوز، واستعادة الأرض والثروة، وسيادة الشعب، وبناء أنظمة وطنية ديمقراطية تبشر بتجدد حضاري ونهوض قومي جديد، ومن ثم بناء السلام الشامل والعادل والدائم من منطلق حضاري وإنساني.

رابعا: الانتفاضة واستراتيجية الاستنزاف
إذا كانت الأنظمة العربية قد اختارت التعايش المؤقت مع إسرائيل، والتسليم الوضع القائم، فإن الرأي العام يرفض مثل هذه السياسة، لأنها تمنح إسرائيل حرية المناورة لتكييف الواق العربي وتحديد مصير شعوبه بالشكل الذي تريده الصهيونية.
إن التحضير والاستعداد لإدارة الصراع المؤجل مع إسرائيل من منطلق الإرادة في الانتصار، يستلزم تجديد النظم السياسية والإدارية في البلاد العربية، وتكسير عملية الاحتكار النخبوي للسلطة السياسية، ودمقرطة المجتمع، وشراك المؤسسات الشعبية ومجتمعها المدني في عملية رسم السياسات وصنع القرارات الوطنية الاستراتيجية.
إن تجديدا مؤسساتيا من هذا النوع، هو الطريق السليم لتجديد وانبعاث حضاري، به تجدد الأمة حيويتها في لعطاء والتضحيات والصمود والتغلب على مشاكلها بالتعاون والتضامن والوحدة وهو الذي يرفع نظم حكمها إلى مستوى الأقدار وتصنع السلام من منظور حضاري وإنساني.
وفي هذا السياق، فإن الانتفاضات والتمردات الشعبية المتنامية على امتداد الساحة العربية تمثل أحد أشكال النضال السياسي الذي يستهدف الضغط على الحكومات العربية لتجديد ذاتها وأهدافها، وأساليب عملها، وهي كذلك، تعبر عن موقف معارض للواقع وللنهج السياسي الذي تسير عليه بشأن التعايش والتصالح مع إسرائيل في صبغتها الصهيونية، لذلك تمثل انتفاضة أطفال الحجارة في فلسطين المحتلة طليعة الموقف الشعبي العربي من جهة وأسلوب جديد في إدارة الصراع نيابة عن الحكومات والشعو العربية من جهة أخرى، إنها استراتيجية تتماشى مع سياسة " اللاحرب واللاسلم " أي سياسة " الهدنة المؤقتة " وأيضا مع إمكانات الشعب الفلسطيني، وظروفه السياسية المحلية والإقليمية والدولية.
تعتبر الانتفاضات والتمردات الشعبية وحرب العصابات من الأساليب الفنية الناجحة في إدارة الصراع مع الخصم والتأثير في سياسته وسلوكه بشكل تستنزف إمكاناته وترهق قدراته، وتضييق الخيارات السياسية أمامه، بحيث يحرم من المرونة اللازمة لاتخاذ قرارات " عقلانية " ( يقصد بالقرار العقلاني تحقيق المنافع والمكاسب بأقل خسارة ممكنة ) مؤثرة مما يدفعه إلى ارتكاب أخطاء في حق الشعوب والإنسانية، تكشف عن الحقيقة العنصرية والفاشية للاستعمار والكيانات الاستيطانية أمام الرأي العام العالمي.
لقد أثبتت التجارب التاريخية، أن استراتيجية استنزاف الخصم التي انتهجتها حركات التحرير الوطني في أكثر من موقع ( الجزائر- فيتنام- جنوب إفريقيا...الخ ) قد كللت بالنجاح وأصابت الخصم في العمق وأرغمته على المثول أمام صوت الحرية وإرادة الحق والقيم الإنسانية.
لذلك، فإن انتفاضة الشعب الفلسطيني في الأرض المحتلة، تعني من الناحية العملية الاستهلاك التدريجي لقوة اسرائيل، و ارهاقها، و النيل من معنوياتها، وتحجيم دورها المشاغب ضد حركة النهضة العربية, فالانتفاضة, تعني بلغة الأرقام وضع الاقتصاد الاسرائيلي و قواه العاملة في حالة حرب دائمة بخسارة تقدر يوميا ب 10 مليون حسب إحصائيات فدرالية غرفة التجارة الإسرائيلية.
لقد أدت الانتفاضة الى تراجع نسبة النمو الاقتصادي من 6% سنة 1990 الى 4.7% سنة 2000، ثم الى 2.7% سنة 2001 ، ويحتمل أن ينخفض الى 1.7% خلال سنة 2002، تعني أيضا فقدان الشعور بالأمن و الاستقرار اللذان يؤثران بدورهما على حركة رؤوس الأموال حيث انخفضت نسبة الاستثمارات الأجنبية ب 70% منذ اندلاع الانتفاضة. أما في قطاع السياحة فقد انخفضت الى 50 % منذ 1999 و ترتب عنها فقدان ¼ مناصب العمل في القطاع السياحي، كما توقفت الهجرة اليهودية الى فلسطين مقابل خروج منها نتيجة تزايد نسبة القتلى بين الإسرائيليين من 1/5 في ربيع 2001 الى ½ مع نهاية شهر ديسمبر من نفس السنة.
ان الانتفاضة هي نقل المعركة الى داخل البيت الصهيوني، مما يؤدي الى تآكل التاريخي للكيان الاستيطاني من الداخل، لأن الاستنزاف الدائم حسب الكتابات الإسرائيلية – أهارون كوهين – " تعجل بزوال إسرائيل حتى في حالة انتصارها " وبالتالي فإنها حسب رأيه " أن تختار بين الحياة والسلام أو الأرض العربية والحرب والموت ".
إن الكفاح المسلح الإسرائيلي المدعوم بالمساندة والمقاطعة الشعبية لسياسة التطبيع هما الأسلوبان الوحيدان اللذان تفهمهما وتخشاهما إسرائيل والأنظمة الضالعة في نهج المصالحة والتطبيع.
إذا كانت الصهيونية ومؤسساتها الأمنية والعلمية تهتم بدراسة ومعرفة المجتمع العربي من مختلف جوانبه الاجتماعية والسياسية والعرقية والطائفية بهدف اختراقه والتغلغل فيه، فإن الأبحاث والدراسات العربية المتخصصة بالتركيبة الديمغرافية والشخصية الإسرائيلية تكاد تكون منعدمة، ولذا، فإن الاهتمام البحثي بمثل هذه الموضوعات سوف يسهل كيفية التعامل العربي مع مجتمع يختزن في داخله تناقضات وانقسامات من الممكن إثارتها وتفجيرها من الداخل إذا ما تم اختراقها والتغلغل فيها بشكل انتقائي ومدروس.
إن قدرة العرب على توظيف هذا لعامل واستعماله كسلاح سياسي سيفكك إسرائيل من الداخل وسيحول اهتمامه من إثارة الفتن العرقية الطائفية والسياسة في المجتمع العربي إلى الانشغال بمشاكلها لداخلية، مما يؤدي إلى تحجيم وتقليص دورها المشاغب الذي خلقت من أجله، وبدون هذه الوظيفة، فإن مكانتها وقيمتها ستتراجع في نظر وسياسة حلفائها الغربيين وفي التزاماتهم السياسية والأمنية تجاهها.
لقد حدث ذلك مع نظام فرموزا عندما أخفقت في تأدية وظيفتها المشاغبة ضد الثورة الاشتراكية في الصين الشعبية 1949-1969 مما اضطر أمريكا إلى مراجعة سياستها بناءً على مصالحها الاستراتيجية في آسيا، فتم طرد فرموزا من العضوية الدائمة لمجلس الأمن الدولي، المنصب الذي شغلته نيابة عن الصين الشعبية، وهو نفس الموقف الذي حدث مع النظام العنصري في جنوب إفريقيا عندما استنزفته الانتفاضات الشعبية، وكشفت حقيقة عنصريته وفاشيته على مرأى من العالم، مما دفع بالقوى الدولية التي أوجدته إلى التخلي عن حمايته، بل ساعدت على فرض الحصار عليه، وإقامة نظام وطني ديمقراطي.
إن تحركا دبلوماسيا وإعلاميا عربيا موازيا لانتفاضة على مستوى الجبهات والمحافل الدولية من جهة، والتلويح بتهديد فعلي لمصالح القوى الدولية الراعية والحامية لإسرائيل من جهة أخرى، سيدفعان المجتمع الدولي إلى فرض العقوبات السياسية والاقتصادية والعسكرية على إسرائيل كوسيلة ضغط حتى تمتثل لقرارات الشرعية الدولية، وإقامة الدولة الفدرالية التي تتعايش فيها الأديان الثلاث على أرض فلسطين، وهو تعايش يمكن صناعته عندما تتخلى إسرائيل عن وظيفتها كامتداد للاستعمار والإمبريالية في المنطقة، وتعلن عن استقلاليتها عن الصهيونية والقطيعة السياسية معها، وماعدا ذلك فإن السلام بين العرب وإسرائيل سيبقى أمرا مستحيلا طالما بقيت إسرائيل ملتزمة بتنفيذ المشروع الصهيوني الإمبريالي في الوطن العربي.



المرجع: المجلة الجزائرية للعلوم السياسية والإعلامية، مجلة فصلية علمية متخصصة في الدراسات السياسية والإعلامية، دار هومه، الجزائر، العدد الأول، 2001-2002

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 

هل يمكن إقامة سلام بين العرب وإسرائيل؟

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
» عند العرب فقط
» لطائف وطرائف العرب
» تحميل كتاب من شيم العرب
» ماذا تبقى من العرب
»  الحكام العرب و السبات العميق



صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى التعليم الشامل :: الـتـعـلـيـم الـجـامـعـي ::  فــضـاء طــلـبـة نــظـام L.M.D :: علوم سياسية Sciences Politiques-